الحرب على الغابات.. كيف يُموّل قطع الأشجار غير القانوني الجريمة المنظمة والإرهاب؟

الحرب على الغابات.. كيف يُموّل قطع الأشجار غير القانوني الجريمة المنظمة والإرهاب؟
الحرب على الغابات.. كيف يُموّل القطع غير القانوني للأشجار الجريمة المنظمة والإرهاب؟

عُثر في يناير 2020 على جثة رجل كان يعمل دليلاً بيئياً معروفاً في بئر بمنطقة ميتشواكان المكسيكية، بعد أن كرّس حياته لحماية فراشة الملك، وبعد أيام، ظهرت جثة زميله الذي عمل في المتنزه نفسه المدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في جبال سييرا مادري.

ووفقاً لتقرير موسع نشرته مجلة "فورين أفيرز"، اليوم الاثنين، تشارك الرجلان في موقفهما الرافض لقطع الأشجار غير القانوني، وأعلنا معارضتهما للعصابات التي تدير هذه النشاطات في المنطقة، وقد دفعا حياتهما ثمناً لذلك، في مشهد يفضح كيف أن الجريمة المنظمة باتت ترى الغابات مصدرًا للثروة، وخصومها أعداءً يجب إسكاتهم.

وفقدت جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر من 200 حارس خلال السنوات الماضية في محاولاتهم حماية متنزه فيرونغا الوطني، أحد مواقع التراث العالمي، من التعدي والنهب، حيث تجني الجماعات المتمردة في المنطقة ما يقرب من 28 مليون دولار سنوياً من إنتاج الفحم الخشبي، المعروف محلياً بـ"الذهب الأسود".

وأثبتت هذه الحوادث أن استغلال الغابات لم يعد مسألة بيئية بحتة، بل صار أداة تمويل خطِرة للجماعات الإرهابية والأنظمة غير الشرعية.

وتوسعت عمليات قطع الأشجار غير القانوني لتشمل دولاً متعددة في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وفقاً لبيانات الإنتربول وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتُشكل التجارة غير القانونية بالأخشاب ما بين 15 إلى 30% من حجم السوق العالمي، وتصل إلى 90% في بعض المناطق الاستوائية.

وأكدت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية أن هذه الجريمة أصبحت ثالث أكبر جريمة عابرة للحدود من حيث العائدات، بعد الاتجار بالمخدرات والتزوير، وبلغت أرباحها السنوية نحو 157 مليار دولار، مع توقعات بتجاوزها 250 مليار دولار في 2025 بسبب نموها السريع، الذي يتجاوز نمو الاقتصاد العالمي بثلاثة أضعاف تقريباً.

تبييض الأخشاب وتزويرها

اتبعت الشبكات الإجرامية طرقاً متقنة لتحويل الأخشاب غير القانونية إلى منتجات تبدو مشروعة، اشتملت هذه الطرق على تغيير أسماء الأنواع، وتزوير شهادات المنشأ، وإدخال الأخشاب المهربة ضمن شحنات قانونية.

أبرزت هذه العمليات ما يُعرف بـ"تبييض الأخشاب"، حيث تتحول العائدات إلى استثمارات قانونية، مثل العقارات أو مزارع المواشي، كما حدث في أمريكا الوسطى.

وتستغل الكارتلات الزراعية هذه الأراضي لزراعة المخدرات أو غسل الأموال، مستفيدين من ضعف الرقابة القانونية، وتدني مستوى التحقيق في الجرائم البيئية.

إضرار بالاقتصاد المشروع

أثّرت هذه الممارسات في الأسعار العالمية للأخشاب، فبحسب الجمعية الأمريكية للغابات والورق، أدى انتشار الأخشاب المقطوعة بشكل غير قانوني إلى خفض الأسعار العالمية بنسبة تصل إلى 16%، ما أثر في قدرة المنتجين القانونيين على التصدير.

وتورطت شركات دولية كبرى في فضائح توريد أخشاب غير قانونية، ففي عام 2023، كشفت وكالة التحقيقات البيئية أن شركة هوم ديبوت الأمريكية استوردت أكثر من 1.2 مليون باب خشبي غير قانوني من غينيا الاستوائية، تم تزوير منشأه ليظهر كأنه قادم من الكونغو.

وواجهت شركة إيكيا السويدية انتقادات لتوريد خشب أوكراني مقطوع بشكل غير قانوني، ما دفع وزارة العدل الأمريكية إلى فرض غرامة قياسية عام 2016 بقيمة 13 مليون دولار على شركة "لامبر ليكويداتورز".

ووظّفت دول وجماعات مسلحة قطع الأشجار غير القانوني لتمويل صراعاتها، حيث جنت روسيا ما يقرب من 14 مليار دولار من صادرات الأخشاب في عام 2021، قبل أن يفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة حظرًا على الأخشاب الروسية والبيلاروسية عام 2022.

واستخدمت جماعات مثل تنظيم داعش في موزمبيق، وحركة الشباب في الصومال، وخلايا القاعدة في مالي، تجارة الفحم وخشب الورد لتأمين تمويل يُقدّر بملايين الدولارات سنوياً.

وحددت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2021 الأخشاب كمصدر رئيسي لتمويل المجلس العسكري في ميانمار، وفرضت عقوبات على شركة الأخشاب الوطنية هناك، كما أدرجت الولايات المتحدة تجارة الفحم من الصومال ضمن قائمة العقوبات الدولية منذ عام 2012.

وقادت الصين، بدافع الطلب على خشب الورد الفاخر، موجة شرسة من قطع الأشجار في آسيا وإفريقيا، ومع حظر التجارة في 16 دولة إفريقية عام 2022، تحوّل التجار الصينيون إلى أنواع خشب بديلة في ظل ثغرات قانونية وانعدام الشفافية في المعاملات الثنائية.

بلغت قيمة تجارة خشب الورد في الصين عام 2016 نحو 26 مليار دولار، حيث جاء 80% من الأخشاب من غرب إفريقيا، لم تُقدِم بكين على خطوات جدية لوقف التجارة، بل أسهمت في إرباك جهود التعاون الدولي من خلال تعاملها الدبلوماسي الغامض وتجاهلها للمساءلة البيئية.

وفي عام 2023، صدّرت الصين أخشابًا بقيمة 2.93 مليار دولار إلى السوق الأمريكية، في مؤشر خطِر على اتساع حجم الأخشاب غير القانونية في السلسلة التجارية الدولية.

دعوة إلى تجريم عالمي

ودعا تقرير مجلة "فورين أفيرز"، الحكومات إلى إدراج قطع الأشجار غير القانوني ضمن أولويات الأمن القومي، وربطه بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلاً عن دعم أجهزة إنفاذ القانون بموارد إضافية، وسنّ قوانين صارمة تُجرم هذا النشاط بجميع أنواعه، وليس فقط الأنواع المهددة بالانقراض.

وأوضح أن التنسيق بين الحكومات، والجهات المالية، والشركات الخاصة، ومنظمات المجتمع المدني يعد أمراً ضرورياً، ويجب تشجيع تبادل المعلومات الاستخباراتية، وإدراج تجارة الأخشاب غير المشروعة ضمن برامج العقوبات الدولية، تماماً كما يحدث مع تجارة المخدرات أو الأسلحة.

ومع تزايد ندرة الموارد الطبيعية، يتسابق اللاعبون الدوليون على ما تبقى من الغابات، وإذا لم تُبادر الدول إلى محاصرة التمويل غير المشروع للجماعات الخارجة عن القانون، فستظل الغابات تموّل النزاعات، وتُقوّض الاستقرار السياسي، وتُضعف الحكومات الشرعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية